كانت رحمة الفتاة المدللّة في عائلتها، فهي الأصغر والأجمل والأكثر أخلاقا، تربّت رحمة في بيت والديها معززة مكرمّة خاصة أنو باباها كان تاجر كبير في المدينة،

وماكان يبخل على دارو بحتى حاجة، بحيث أنو بناته عاشو في رفاهية تامة وعيش رغيد.
جا مكتوب بنات هذا التاجر وتزوجّو وحدة ورا وحدة، وكل وحدة كان زوجها أحسن من إلي قبلو ماديا، يعني عاشو حياة الرفاهية عند الأب وعند الزوج ( خدم وحشم وأموال).
كان من المتوقّع أنو رحمة على اعتبار أنها أجمل خواتاتها تتزوّج أغنى واحد في المدينة، باش تزيد تتفوق على خواتاتها حتى في الزواج.
وبالنظر للمواصفات إلي كانت تتمتع بيها رحمة، فقد شيع عنها في كل المدينة عن جمالها ودلالها وأخلاقها وذكاءها،

هاذ الأمور خلاّت شباب المدينة إلي راهم في سن الزواج كامل يحلمو بيها ويتمناوها زوجة ليهم، بصح كانو دايما يخممّو أنو مستحيل رحمة تقبل بيهم، على الرغم من القوة والشباب والغنى والسلطة إلي عندهم، إلا أنهم كانو يشوفو أنو رحمة راح ترفضهم كاملين لأنو حسب نظرهم الشاب إلي راهي تستنى فيه رحمة وتتمناه زوج ليها يستحيل يكون بيناتهم باش يفوز بيها.
فاتت السنين وما تقدّم حتى شاب من شباب المدينة المعروفين باش يخطبو رحمة خوفا من الرفض والإهانة إلي تجي بعد الرفض، في هذا الوقت كانت رحمة عايشة حياتها في دار والديها مثل الأميرة كل طلباتها مجابة وكل أمانيها محققّة، لخاتش هاذي هي الطفلة المدللة تاع باباها.
وفي طرف المدينة كان يعيش سعيد، شاب قوي، طيب، خلوق، بارّ بوالديه بصح فقيييير، كان ينوض الصباح بكري يروح للغابة يقطع الاغصان اليابسة ويجمعها ويبيعها في السوق، وإلي باع بيها يشريها أكل ليه ولوالديه الكبار في السن.

سمع سعيد بجمال وذكاء رحمة الشايع في المدينة، وكيما كل الشباب تمناها زوجة ليه. سعيد كان يختلف على الشباب الاخرين بأنو كانت عندو ثقة في الله وثقة في نفسو كبيرة، على هذا ما ترددش دقيقة في أنو يخطب رحمة.
كيما كان الحال راح سعيد للقصر إلي عايشة فيه رحمة وطلب الاذن باش يقابل باباها، سمحلو باباها أنو يقابلو ويشوف واش يحوس.
دخل سعيد لغرفة الاستقبال وقعد في مكان يكون وجها لوجه مع الأب تاع رحمة وطلب منو أنو يزوّجو بنتو رحمة على سنة الله ورسوله، في البداية والد رحمة تفاجأ من طلب سعيد بالزواج من الغالية والمدللّة رحمة، بصح في قرارة نفسو عجباتو شجاعة سعيد وجرأتو وثقتو في نفسو.
طلب والد رحمة مهلة باش يفكر في طلب سعيد وباش يشاور رحمة. وبعد هذا اللقاء بدا والد رحمة في السؤال على سعيد وطلب من الحاشية تاعو يجيبولو كل أخباره، بعد مدة قصيرة خبرّوه الحاشية أنو شاب يتمتع بالقوة والذكاء والأخلاق ما لم يتمتع بيه غيرو، وأنو بار بوالديه الكبار في السن، وأنو الناس كامل تشكر فيه.
هاذ الكلام فرّح والد رحمة وقرر أنو يقنّع رحمة تتزوج بيه خاصة أنو ما تقدّم ليها حتى شاب لحد الآن، تفاجأت رحمة من كلام باباها وقاتلو كيفاش أنا نتزوج بحطّاب؟ وكيفاش راح نعيش في كوخ في طرف المدينة، ضحك باباها وقالها: وشكون إلي قالك بلي نرضالك تعيشي في كوخ، بعد الزواج ان شاء الله نبنيلك أحسن قصر

ونعطي لزوجك الأملاك وراح تعيشي بنفس المستوى إلي راكي عايشة فيه، أنا عجبتني أخلاق الشاب ومانيش حابّ نفرّط فيه.
اقتنعت رحمة بكلام باباها ووافقت على الزواج مع سعيد، وتمّ الزواج بالفعل في أقرب وقت ممكن ودارو عرس كبير حضرو فيه كل سكان المدينة، وكان هذا اليوم أسعد يوم في حياة سعيد لأنو تزوج بالفتاة إلي تمناها، وأسعد يوم في حياة والدّي سعيد لأنو ربي استجاب لدعاؤهم وشافو سعيد عريس.


غدوى من ذاك خبّر سعيد زوجتو رحمة باش تروح تعيش معاه في دارو، جاوبت رحمة وقاتلو نبقاو هنا في دار بابا حتان يبنيلي بابا القصر إلي وعدني بيه، قالها: لالا، أنا مانحبش نسيبي يتصدّق عليا، عرفني حطّاب وزوجنّي بنتو وأنا حطّاب، لازم تعيشي حسب ظروفي أنا.
تفاجأت رحمة من كلام زوجها سعيد، وماتوقعتش منو هذا الردّ، كانت متوقعة أنو راح يفرح بالعطايا إلي راح يقدمهم باباها ليهم.
خبرّت رحمة باباها بقرار سعيد في أنهم يروحو يسكنو في دارو إلي في طرف المدينة، فرح والد رحمة بقرار سعيد و زاد تأكد أنو سعيد لما خطب بنتو رحمة مكانش طامع في رزق باباها، وقالها : يا بنتي هذا زوجك ولازم أطيعيه وأتبعيّه وتروحي معاه وين يقلك. إذا ماقدرتيش تتحملّي دار باباك مفتوحة في أي وقت ليك.
كيما كان الحال راحت رحمة مع زوجها سعيد باش يسكنو في دارو إلي في طرف المدينة،

كان سعيد بالنسبة لرحمة نِعم الزوج، كان يحبّها ويحترمها ويلبيّلها كل طلباتها في حدود قدرتو المادية، كان يعمل ليل ونهار باش رحمة تعيش في سعادة وحياة هانية.
حاولت رحمة تتأقلم مع وضعها الجديد، بصح ما قدرتش، كانت تنوض الصباح بكري تشعل النار وتطيب الفطور لزوجها وأبويه، كانت تمشي مسافة طويلة باش تجيب الماء على كتفها، كانت تغسل الثياب والاواني وتنظف وتقوم بأعمال شاقة ماتعودتش أنها تديرها في دار باباها، بحكم أنو كان عندهم الكثير من الخادمات يقومو بكل شيء، هي فقط ترتاح وتستمتع بالبساتين والأزهار.
قعدت رحمة تفكّر في وضعها الجديد وأمورها إلي انقلبت رأسا على عقب، وخممّت مع روحها أنو ماكان حتى حاجة تلزمها تعيش مع سعيد العيشة المزرية هاذي، ودار باباها أحسنلها من هاذ الجحيم والتعب إلي راهي فيه.
بعد تفكير عميق قررّت رحمة أنها تهرب من عند سعيد وترجع لباباها وتطلب منو يطلقها من سعيد لأنها ما قدرتش تتحمّل هاذ العيشة، جمعت شوية حوايج وأكل باش تتقوّت بيهم في الطريق وقررّت أنو بمجرد ما يرقد سعيد وأبويه تهرب في الليل لعند باباها. حطّت السرّة إلي جمعتها تحت راسها وقالت نرقد شوية نرتاح باش في الليل نقدر نمشي مسافة طويلة، بمجرد ما غفات عين رحمة تشوف في روحها في المنام أنها هربت ومشات طريق طويلة وانتهى الماء الي كان عندها، وهي تحوّس على الماء، تشوف شيخ كبير قاعد في نهاية ساقية

ويسقي للناس في الماء، كانت مجموعة كبيرة من الناس دايرين الصف ويستناو في دورهم باش يسقيلهم الشيخ الماء.
وقفت رحمة في الصف مع الناس إلي واقفين تستنى في دورها وتلاحظ، كان الشيخ وين ما يلحق دور كاش واحد يعمرّلو الماء ويعطيه، كاين الي يعمرّلو بيدون كبيييير، كاين الي يعمرّلو بيدون صغير، كاين الي يعمرّلو طاس، كاين الي يعمرّلو كاس…. وهكذا.
لحق دور رحمة في السقاية خزر فيها الشيخ وقطع ورقة شجر من إلي كانت بجنبو وغطسها في الماء وعطاهالها،

تفاجأت رحمة من هاذ الفعل تاع الشيخ وقاتلو: هذا واش تعطيني؟؟ واحد تعطيه بيدون، واحد طاس، واحد كاس…الخ وأنا تشمخلي ورقة شجر في الماء وتعطيهالي!!.
ردّ عليها الشيخ وقالها: هذا مكتوبك، وهذا واش عطاك ربّي.
ناضت رحمة من نومها على هاذ العبارة تاع: هذا مكتوبك، وهذا واش عطاك ربّي. استغفرت رحمة ربّي على عدم رضاها بمكتوبها وبكات،

وقررّت أنها ترضى بمكتوبها وبواش عطاها ربّي و ماتهربش لدار باباها وتبقى مع زوجها سعيد وتصبر على المعيشة معاه

فمهما كان فقير إلا أنو زوج يحبّها وحنين عليها ويدير الشيء إلي يقدر عليه باش يسعدها.

 

… شمس راقية