مش غريب في الكثير من البيوت منظر لماعن الملمومين في حوض المطبخ  في انتظار غسلهم ؛او الفراش غير المرتَّب لغاية الظهيرة ؛و الوجبات تاع العشا اللي تتقدّم بعد العاشرة ليلا (و اللي بالتأكيد ماهيش صحية)؛ و البقعة المزعجة في الفستان اللِّي تتغلغل كل يوم يتأجّل فيه قرار غسيل الملابس ؛و الكثير من المظاهر اللِّي نعايشوها جميعا كربَّات بيوت.

الحمد لله هذا البلاء مايخصّش فقط ربَّات البيوت ؛بل يعُمّ مُجمًل النِّساء ؛و حتى 95% من عموم البشر المكلفين ؛نلقاوه عند الموظَّفة اللِّي نهار الخميس العشيَّة راهي تخدم بشراسة باش تقدّم تقريرها قبل الموعد النِّهائي للعرض على ال5 و هي تضارب في روحها و علاش ماخدماتوش بكري ؛و الطَّالبة اللِّي علابالها بموعد تقديم البحث منذ أسابيع و تستنَّى للَّيلة السَّابقة للموعد النِّهائي باش تبدا تخدمو ؛و الأسوأ الأمّ اللي تتجاهل بكاء رضيعها و  تأجّل تغيير الحفاظة حتى يولِّي لحمو احمر؛ أو اللي تفوّت تحضير الدَّرس مع طفلها بسبب جلسة على الفيسبوك حتَّى تلقاه رقد و مش قادر يقرا ؛و حتى الشابة اللي تأخّر زينتها الصَّباحية حتَّى كي تدخل الجارة تلقاها مشبشبة و هي كانت جاية تخطب؛ كذلك هي التقنية اللي تقدري تتعلّميها باش تحققي دخل أو تقدم في وظيفتك و لكن بدل ذلك تروحي في وقت فراغك تشاهدي مسلسلك المفضَّل؛ او تأخير الإتِّصال بوالدتك حتاَّن نهار تعيّطيلها تقلّك :”خلعتيني!! شكون مات؟” ….

و عكس المثل القائل: “لا تؤجِّل عمل اليوم إلى الغد” نلقاو رواحنا لسان حالنا :”لا تقم بعمل اليوم إذا كنت تستطيع ان تعمله غدًا؛ و الأفضل من ذلك: لا تترك للغد عملا يمكنك أن لا تقوم به”

كلّ هذي السلوكات تندرج في مسمَّى عصري تحت طائلة “المماطلة” و اللي هي بالمناسبة آفة عريقة ظهرت منذ قرون حتى أنُّو الفلاسفة الإغريق كيما ارسطو و سقراط ناقشوها و عطاوها اسم “إكرازيا”.

واش هي “الاكرازيا” هي حالة التَّصرُّف ضدَّ حكمك الصَّحيح؛ بمعنى تديري حاجة و نتي عارفة بلِّي المفروض تروحي تديري حاجة أخرى؛ بالتَّرجمة العصريَّة هي: المماطلة ؛او “سوء المراقبة الذاتية”.

التعريف العصري للمماطلة هي تأجيل او إرجاء مَهمَّة او عدَّة مهام؛ المماطلة هي تحديدا القوَّة اللِّي تمنعك من فعل ما يجب فعله ؛و هي ليست الكسل اللِّي معناه مرتبط باللامبالاة و اللانشاط و عدم الرَّغبة في العمل ؛المماطلة هي _ممارسة نشاط_ تروحي تديري حاجة بدل العمل اللِّي علابالك لازم ديريه؛ مثال تقريبي :الأوقات اللِّي نقضيوها في إعادة قراءة الإيميلات و تفقُّد وسائط التَّواصل الإجتماعي و التَّحضير المستمرّ و استراحات القهوة و الوقت الضَّائع في الأعمال اللي تقدري بأمان تخلِّيها لوقت لاحق ؛و تقديم هذي التَّصرُّفات كذرائع لعدم القيام بالعمل.

الأعراض اللِّي نواجهوها كيما: التَّعب و الإحباط تخلِّينا نقولو لرواحنا :”خلِّي هذي الخدمة للغد؛ كي نكون لاباس”؛ المماطلة فخّ؛ قدّما يسهل الوقوع فيه يزيد الذُّعر منُّو؛ كي نأجلو شغلنا نحسُّو بشويَّة ارتياح ؛بصّح كي ننوضو غدوا مانلقاوش الأقزام الخيرية تاع الرِّوايات الأسطورية  (البراونيز) اللِّي تقتحم المنازل في اللّيل و تنظّفها  قضاتلنا شغالاتنا.

علميًّا واش يحدث في الدِّماغ؟ و يخلِّينا نتجنّبو الأشياء التِّي نعلم أن علينا فعلها ؛هذا مايسمَّى ب”تناقض الوقت”؛ المماطلة هي الشِّي اللي يشدّنا رغم نوايانا الحسنة؛و “تناقض الوقت” يعبّر على ميل الدِّماغ البشري لتلَقِّي المكافآت الفورية أكثر من رغبته في إنتظار الجوائز بعيدة الأمد.

المثال التعبيري: أنُّو تكون عندك 2 شخصيات يمثّلوك :

الشخصية الأولى هي “ذاتك الحاليَّة” .

و الشخصية الثَّانية تمثّل “ذاتك المستقبلية”…(نتي في المستقبل).

كي تحطِّي لنفسك أهداف: (تعلُّم الطَّرز ؛فقدان الوزن ؛إتقان لغة أجنبية…)؛ تكوني تخطّطي للشَّخصيَّة اللِّي تمثّل ذاتك المستقبليَّة لأنّك تتصوّري واش تحبِّي لنفسك تكون في المستقبل ؛كي تفكّري في ذاتك المستقبليَّة دماغك يسهل عليه تقدير قيمة القيام بأعمال تربحي منها بعد مدة طويلة؛ و لكن في الوقت اللِّي الذَّات المستقبليَّة تضع أهداف شكون اللِّي يقوم بالتَّنفيذ؟؛ الذَّات الحاليَّة هي اللِّي تخدم ؛و في اللَّحظة اللِّي تاخذي فيها القرارات ماتكونش ذاتك المستقبلية هي اللي تقرّر؛ و العقل يفكّر بالشَّخصية تاع اليوم (مش الشخصية نتاع المستقبل) ؛ ثمَّ الذَّات الحالية تطلب جوائز فوريَّة ؛و ماتحبش تستنى المستقبل باش تدفعيلها ؛يعني ذاتك المستقبلية تحلم بلا تعب و الذات الحالية تخدم بلا مقابل.

الذَّات المستقبليَّة حابَّة تكون نحيفة و أنيقة ؛و الذَّات الحاليَّة تحوّس على حبة اسفنج.

هذاك علاش نعيشو التَّناقض تاع الوقت (اللّيل و النّهار)؛ نروحو نرقدو و احنا حابِّين نديرو تغيير في حياتنا؛ بصح كي ننوضو الصّباح نلقاو رواحنا رجعنا لأنماطنا القديمة ؛عقلك يمدّ قيمة للأرباح بعيدة المدى كي تكون في المستقبل (غدوة)؛ و لكن كي يكون في اللحظة الحالية (اليوم) يرغب غير في المكافأة الفورية.

الاشكال المختلفة للمماطلة:

*كاينين ناس عندهم (ترتيب الأفكار و الأعمال و الحفاظ على المسار الصحيح) صعب.

*البعض يشوف بلِّي المهام تبان فوق الطَّاقة ؛و بالتَّالي لاداعي حتَّى للمحاولة.

*الروتينات و الجداول تخلي الكثير من الاشخاص يتمردو؛خاتش مايقدروش ينضبطوا.

*بينما نلقاو فئة تخاف من الرفض و الاستنكار و الفشل.

*هذي الأنواع تاع المماطلة تدخل تحت أربع عناوين رئيسية للعوامل النَّفسيَّة:

-الشك في النفس: كاينين ناس يشعرو بوجود معايير عالية لكيفية القيام بالأشياء ؛و يخافو من الفشل و مايثقوش في نفوسهم ؛و يبقاو فقط يأجّلو الإنطلاق في العمل.

-التهرب من الانزعاج: هذي الحالة تعمل على تجنُّب النَّشاطات اللي تسبّب التَّوتُّر و القلق و كلّ أشكال الإنزعاج ؛السَّخيف أنُّو التَّهُّرب من الأعمال ماينقصّش الضُّغوطات يزيدها .

-الشُّعور بالذَّنب: يحس الشَّخص بالذَّنب تجاه الأعمال غير المنجَزة ؛و لكن بدلًا من تصحيح النَّقص تاع العمل الأوَّل؛ يبقى يأجّل باش مايتواجهش مع الإحساس بالذَّنب.

-حكم العادة: الشَّخص اللِّي يماطل مرَّات كثيرة تولِّي المماطلة استجابة متأصِّلة عندو مايفكرّش علاش يديرها و يصبح الردّ التلقائي نتاعو كي يقولك :”صعيبة”؛ “راني تعبانة”.

ينبغي الإلتفاف على المماطلة و أخذ المبادرة و السَّيطرة على العمل ؛خلِّينا نقولو مثلاً بلِّي عندك عرس بعد أسابيع و خيّرتي موديل فستان باش تخيّطيه للحفلة ؛و بقيتي تأجلي في العمل أسبوع بعد أسبوع ؛و نتي عايشة حالة الألم و بعض القلق و لكن مازال مش كافي باش تنوضي تخيّطي؛ و فجأة في اليوم السَّابق لموعد العرس المخاوف المستقبليَّة أصبحت عواقب حاليَّة و قمتي بخياطة الفستان قبل الحفلة بساعات؛ ألم المماطلة بقى يتصاعد حتَّان وصل لخط الحركة (كي تحركتي و نضتي تخدمي).

الفكرة هي أنّك كلّما تجاوزتي “خطّ الحركة” بكري يكون ألم المماطلة أقلّ؛ و الواقع أنُّو وجودك في وسط حالة مماطلة أشدّ ألمًا من التَّواجد في وسط العمل؛ الذَّنب و الحرج و القلق أسوأ من الجهد و الطاقة نتاع العمل؛و المشكل ليس القيام بالعمل بل البدء فيه.

الإنخراط في المماطلة تقدر تكون عندو عواقب خطيرة ؛لأنو حتى حلقات صغيرة من التأجيل ممكن تسبّبلنا الإحساس بالذَّنب و الحرج ؛و تأدي لقلَّة الإنتاجية ؛و تقودنا للفشل في تحقيق أهدافنا.

المماطلة لفترة طويلة و تحوّلها لسلوك دائم تخلِّينا نفقدو الحافز و نصابو بخيبة الأمل في القيام بأعمالنا و تأدي للإكتئاب و ربَّما خسائر أخرى في حالات متطرفة.

…شمس هنية