لعل هذه العبارة هي أبلغُ ما نرجو من الحياة …مهما كان وَضْعُنا فيها سعداء او أشقياء ؛و أيا تكن انجازاتنا او نجاحاتنا و اخفاقاتنا ؛ و أينما دَرَجَ مؤشر الشعور فينا نحو السعادة أو الكآبة :لسنا نبغي إذا اصطادتنا النائبات و حلَّت بأيَّامنا العواصف إلا مرساة أمان و ساحل اطمئنان و محطّة رجاء ؛ إذ من يخلو قلبه من الهموم …..حال الرخاء خوف الفقد ؛أو من الأحزان عند الشِّدة جرّاء الضُّر
و إذا استيأس القلب و حلَّ به الفزع لم يعرف بابا للُّجئ إلَّا أعتاب الرَّب…و صار طلبُ النَّجاةِ هو الغايةُ و الْمَدْرَك…و لكن كيف السَّبيل ؟و ما العمل؟ … فَقلَّمَا يُوَفَّقُ إنسان إلى سلوك الرُّشد و لُزوم الْجادَّة حتَّى تنقشعَ الغمَّة و ينجليَ الْكرب فيكون إلى جانب وصفه ناجيا فائزا غانما ….و أجملُ ما سرَّى عنِّي في هذا المناط قولٌ جميلٌ لشيخ الإسلام ابن تيمية ….بوجيزِ العبارة  و بليغِها صاغ لنا أسلوب حياة لا يدرِك رائدَها تعبٌ و لا نصبٌ …كيف و الوِرد صاف و النَّهل عذب ؟!… ..

قال رحمه الله:
وليتخذ وردا من ” الأذكار ” في النهار ووقت النوم

شيءٌ بسيطٌ من حركة اللِّسان بحضور الجنان و تصديق القلب ….مقيَّدًا بالأوقات الواردة في السُّنَّة المطهَّرة …(أذكار الصباح ؛أذكار المساء؛ أذكار النّوم و الإستيقاظ و الدُّخول و الخروج …..الخ)…و مطلقًا في كلِّ وقتٍ و عند الاستغراق في الشعور: (كالاستغفار و الباقيات الصالحات و التهليل و التسبيح …و غيرها)

وليصبر على ما يعرض له من الموانع والصَّوارف فإنه لا يلبث أن يؤيده الله بروح منه ويكتب الإيمان في قلبه

وقع الشيخ هنا على آفة الذِّكر من تسلُّط الْموانع و الإنشغال بالصوارف ..لا أعلم نشاطًا أعظم للشَّيطان من هذا الباب …فكلَّما عزمتُ قلبي على حصَّةِ استغفار مئة مرة مثلا لم أجد إدراكي بعد ثالث استغفار ؛ و صرتُ الى حرب ضروس مع الشّيطان لأُمكِّنَ نفسي من استغفار ربي….و هو يجول بي في بساتين الاماني و يصول بي في وديان المخاوف …. و لكنَّ البشرى جاءت لاحقا في كلام شيخ الإسلام ..فإن الإدمان على الذِّكر و مقارعة العوائق و العقبات و جهاد الإخلاص و التثبيت يوجب للعبد روْحا من ربه و هذا “فوز”؛ و يُحقُّ له إيمانا في قلبه و هذه هي “النجاة” … .

وليحرص على إكمال الفرائض من الصلوات الخمس باطنة وظاهرة فإنها عمود الدين

لعلَّ اقلَّ ما في المصائب من نِعَمٍ أنّها تربط العبد بربِّه و تعيده الى عقله يمتحنه عن حقيقة الايمان و اليقين .؛.و لا يتم إيمان إلاّ بإقامة الصَّلاة و استحضار الوقوف الوجداني فيها أِّمام رب الأّرباب …و حقٌّ على المكروب اذا طلب الفرج أن يتادب َفي الطلب و يخضعَ في السؤال و يقرَّ بالذنب و يعترفَ بالنقص و يستنجدَ بفقره و يستغيثَ بعجزه …و كلُّ هذا محله القلب و أوانه الصلاة فإذا اجتمعا معا اكتمل للمرء دينه و استقام أمره ..

وليكن هجيراه-أي طول وقته- لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها بها تحمل الأثقال وتكابد الأهوال وينال رفيع الأحوال

و بدل التقلُّب في الآلام و التفكُّر الدائم في الأحزان يَلزم المؤمن قولة “لاحول و لا قوة الا بالله” لِما فيها من عظيم الاستجارة و جليل الاستغاثة و خالص الاستعانة و مطلق الفقر و عين العجز …فإن القلبَ صغير على محنِ الدنيا …و الدنيا اضيق من سَمِّ الْخِياط لمن ساومته الكروب …فالذَّكيُّ الفطن يُدمن الاستعانة و التولِّي فوالله لتُحمَلَنَّ أثقالُه و ليخفَّنَّ حِمْلُه و ليَجدن لكريهته حلاوةً ..
.
ولا يسأم من الدعاء والطلب فإن العبد يستجاب له ما لم يعجل فيقول: قد دعوت ودعوت فلم يستجب لي

و هذا هو البلاء العظيم …لو دامت مصيبتك أربعين عاما أقمتَ تدعو الله فيها كلَّها ثم توقفتَ فقد استعجلتَ …لا تياس من الفرج و أنت تدعو ؛ فالمؤمن الحقُّ يعلم أن دعاءه مسموع و الإجابة مضمونة ….فالوعد الحق أمَّن الاستجابة ….هنا حقيقة الإيمان و بيان التوكل و تصديق اليقين..فحكمة الله هي ما يقتضي مدة البلاء …و لو عرف السائلُ ربَّه و استيقن اسماءه و صفاته علِم ان الخير المطلق في ما جرت به إرادة خالقه ….و الكيِّس الفطن لا ينقض غزله من بعد جهد وقوة …..

وليعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا

هذه المتلازمات العظيمة هي حقيقة الوجود ؛و لكنَّ زمان المحنة يخيٍّل للإنسان أنه لم يرَ خيرا قطُّ ؛ و لا يظن إلاَّ أنَّه لن يراه أبدًا …فاستحضار العلم الدائم بحقيقة هذه الأضداد (الفرج و الكرب ؛و العسر و اليسر ؛و النصر و الصبر) معينٌ على الفوز …إذ أن اليأس هو مادة الهزيمة ..

ولم ينل أحد شيئا من ختم الخير_ نبي فمن دونه _إلا بالصبر
مجموع الفتاوى ج١٠

والصَّبر عنوان العقل و ميزان الحكم ودالَّة الزَّمن ؛و هو ناقضُ الأحداث و قاتل الأوجاع و رقية النجاح و بلسم الشِّفاء و إكسير السَّابقين و المتفوِّقين و النَّاجين ….

لله درُّ شيخ الإسلام ….و يا هناء من وقَّع على الوصفة فأطاب بها الجراح و الآفات و الفواتك ….و حسبُ المؤمن من الدنيا أنَّ كلَّ أمرِه له خيرٌ ؛ ان أصابته السراء أو الضراء فهو في كنفٍ و عناية ؛ و العسس من بين يديه و من خلفه ؛ بينما أهل الدنيا بين صريعٍ للفتن و الشَّهوات و قتيلٍ للمُلِمَّاتِ و الأزمات ….طريق سهل و مختصر مكَّلل بالورد و معبَّق بالزهر و محفوف بالطِّيب …

1-لزوم الأذكار الرَّاتبة و الواردة …..فلا طاقة للشيطان بلسان ذاكر و قلب شاكر ..

2-ثم الصَّبر على إتيان هذه الأذكار مع الإخلاص و التَّصفية …و له مع ذلك الجزاء الأوفى من تثبيت الإيمان و استحقاق الرحمة..

3 – أداء الصلاة طيِّبةً بها نفسُه ناعمةً بها جوارحُه مستأنسةً بها روحُه …..ففيها المفزعُ و الملجأ و المنجى ..

4-تحقيق العبودية بالاعتراف بالعجز التام و الإقرار بالفقر المطلق و الإلتجاء لمن له الملك و الإحتماء عند من لديه القدرة ..
5-الدَّوام على الدُّعاء ما ملكَ من الأنفاس و حتى تبلغَ الحلقوم ….فالرٍّزق في السَّماء يُستنزَل بالدُّعاء ….و كلُّ ما في السَّماء رزقٌ ..

6-التَّفاؤل و الإيجابية و الثِّقة بالخالق و الإقامة على الأمل و الرَّجاء …و أن لا ييأس و لا ينهزم و لا يظننَّ الا خيرا ..

7-ثم َّالصَّبر فهو مادة الظفر و علامة الخير ….و ليس في الأوَّلين و الآخِرين من لم يكن الصَّبر مركبه إلى كل فوزٍ و صلاحٍ و غنيمة ..

 

 

….شمس هنية